1-مفهوم السوق
تعريف السوق في اللغة كما جاء في المعجم الوسيط(1): هي الموضع الذي يجلب إليه المتاع والسلع للبيع والتبادل.
وكان تعريف السوق اصطلاحا: مكان يجتمع فيه الناس للبيع والشراء والتبادل.
قال الله تعالى في كتابه (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ )(2) فأباح الله سبحانه البيع والشراء فكان من الضروري ظهور الأسواق وأماكن قيام عمليات البيع والشراء والتبادل.
وبسبب ثورة الاتصالات ظهر أنماط مختلقة للأسواق تجمع بين البايع والشاري مثل موقع إلكتروني أو شبكة الأنترنت والفقه الإسلامي يبيح هذا التطور لأن الأصل في المعاملات هو الأباحة ما لم يرد مانع ولا يوجد ما يلزم أن تكون الأسواق بشكل محدد.
ولم تعد الأسواق محصورة في البيع والشراء فقط ولكنها أيضا تشمل بيعا وإيجارا وقرضا ومضاربة ونحوها.
طبيعة السوق في الاقتصاد الإسلامي
للسوق في النظام الإسلامي طبيعة خاصة فلا هي طبيعة إشتراكية ولا هي طبيعية رأسمالية ولكنها طبيعة خاصة لها سماتها الخاصة.
فالإسلام يرفض التدخل في السوق سواء بالتسعير أو الإحتكار, فالإسلام يتبنى نظام المنافسة الحرة فيكون المحدد الوحيد للأسعار هو قانون العرض والطلب حتى لو كان هذا التدخل من السلطة الممثلة للاقتصاد إلا لضرورة تقتضيها ظروف المجتمع.
كما أنه يكفل الحرية الكاملة للدخول والخروج من السوق وحرية الانتقال بين عناصر الانتاج والمجالات المختلفة وبالتالي يضيع على ظهور الاتجاهات الاحتكارية التي تحاول حصار الأنتاج وتحديده ةبالتالي التحكم في سعره, ولذلك حث الاسلام على السعي في الأرض في كل المجالات من زراعة وصناعة ورعي وتجارة وغيرها, فقال الله تعال ( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّه )(3)
كما أن الإسلام لا يجيز لأحد أن يمنع غيره من الدخول في صناعة معينة إذا أراد غيره ذلك وهو متقن لها.
وقد بين ابن خلدون خطر احتكار السلطان لتجارة ما في مقدمته فقال: "مضايقة الفلاحين والتجار في شراء الحيوان والبضائع وتيسير أسباب ذلك فإن الرعايا متكافئون في اليسار متقاربون ومزاحمة بعضهم بعضا تنتهي إلى غاية موجودهم أو تقرب وإذا رافقهم السلطان في ذلك وماله أعظم كثيرا منهم فلا يكاد أحد منهم يحصل على غرضه في شيء من حاجاته ويدخل على النفوس من ذلك غم وتكد."(4)
مفهوم الاحتكار وحكمه
الاحتكار هو حبس سلعة معينة عن الناس حتى تشتد حاجة الناس إليها, فيرتفع سعرها ويضيق بهذا على الناس.
وللاحتكار في عصرنا هذا صور كثرة جدا ومتنوعة فمن الناس من يحتكر سلعة معينة في السوق فيقل المعروض وتزداد حاجة الناس لها فيرتفع السعر أكثر فيتضاعف مكسبه وللأسف حدث ذلك في ظل الأزمة الراهنة واحتكر بعض الناس الكمامات الطبية, ومن الناس من يحتكر ممارة مهنة معينة بدون وجه حق ويمنعون التراخيص لغيرهم بالدخول فيها, ومن الناس من يقوم بشراء معظم أسهم شركة معينة ليحتكر هو اتخاذ القرار, ومنهم م يحتكر تصنيع سلعة معينة ومنع الأخرين من ذلك ولو بالترهيب وبالتالي يتحكم هو بسعرها في السوق وفي كل ذلك سبل لقتل قانون العرض والطلب.
فمهما اختلفت صور الاحتكار في النهاية فكل ما يضر بالناس حبسه فهو احتكار محرم شرعا.
تجريم الاحتكار في الإسلام
سبق ذكر أن الاحتكار مفسدة اقتصادية وكما أن الإسلام يحرص على دفع المفاسد فجائت الشريعة بتحريم الاحتكار والتشديد والتغليظ فيه, وكما أن من قواعد الإسلام الجامعة حديث النبي عليه الصلاة والسلام "لا ضرر ولا ضرار"(5), وكذلك وردت نصوص صريحة في السنة النبوية خاصة بالاحتكار واعتبرته كبيرة من الكبائر فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من رواية سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئ)(6) وفي رواية له عنه أيضا (لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئ)(7), وهناك نصوص كثيرة وان كان في إسناده نظر ولكن الحديث السابق يكفي لؤكد عظمة جريمة الاحتكار.
الحكمة من تحريم الاحتكار
للاحتكار أضرار عديدة ولهذا جاء الإسلام مشددا على تحريمة ومن أضراره
- حبس السلعة يؤدي لغلاء سعرها على المشتري وبالتالي يشق عليه شرائها.
- يضييق على الناس في الحصول على السلعة ويتضاعف الضرر إذا كانت السلعة من السلع الضرورية في حياة الناس.
- المحتكر يجبر المستهلك الشراء منه لأن لا يملك السلعة غيره وبالتالي فهو يكره الناس على الشراء منه بالسعر الذي يحدده هو.
لمواجهة الاحتكار وسائل عدة منها ما أباحه الإسلام ومنها ما هو محرم, فمثلا فرض غرامات على محتكري السلع الضرورية لإجبارهم على ترخيص الأثمان, أو مشاركة الدولة لهم بإنتاج نفس السلعة بسعر أرخص لإجبارهم على ترخيص الأثمان, أو سحب تراخيص مزاولة المهنة من أصحاب المهن عند أستغلالهم للظروف مثل تاجر المستلزمات الطبية الذي يغلي الأثمان في ظل الأزمة الحالية, كما أن من ضمن الوسائل "التسعير" وفي التسعير نظر فهو يعد من جانب تدخل في الاقتصاد وتحديد الأسعار ومن جانب أخر محاربة الاحتكار.
الموقف الشرعي من التسعير
تعريف التسعير عند الشافعية: "أن يأمر الوالي السوقة أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بكذا".
قول الله سبحانه وتعالى:{إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ}(8)
قول النبي النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما البيع عن تراض"(9)وقال: "لا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا بطيب نفس منه"(10)
إن الله سبحانه وتعالى جعل التراضي شرطا للبيع والشراء, والتسعير في الأوقات العادية يضر بالتاجر فيجبره على أن يبيع بسعر قد لا يكون عن تراضي فبالتالي يسقط شرط البيع عن تراضي ويحرم البيع, ويكون في هذا ظلم للتاجر نفسه.
ولكن في أوقات الغلاء واحتكار السلع يشق الشراء على العامة ويكون من مقتضى المصلحة العامة تدخل ولي الأمر فيكون في التسعير مصلحة للمواطنين في بعض الحالات الاستثنائية.
الضوابط الأخلاقية للتعامل في الأسواق والتجارة
الإسلام دين شامل, وشريعته وضعت ضوابط لكل ما يخص حياة المسلم, ليضمن له العيش الطيب, فهو رسالة سماوية شاملة وعامة, فكان من الضروري أن يضبط علاقات ومعاملات المسلمين في الأسواق, فوضع ضوابط متعددة ومن هذه الضوابط ما يلي :
- عدم التقصير في العبادة ومخالفة مقاصد الشار
- التأكد من مصدر الرزق الحلال, والبعد عن الكسب الحرام, وأي دخل به شبهة كسب محرم
- أن تكون التجارة عن تراضي بين الطرفين
- ضرورة الصدق في المعاملات المالية
- ومن أهم ضوابط الإسلام في هذا الباب, الأمانة في التعامل وتجنب الغش
فمن المفروض علي المسلم ألا تصرفهم التجارة عن العبادة الواجبة يقول الله تعالى في كتابه (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)(11) .
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)(12), وحث الرسول عليه الصلاة والسلام علي العمل والكسب الحلال عن أبي هريرةرضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خيرٌ من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه)(13)
قال الله تعالى (إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) (14) فالتراضي شرط من شروط صحة البيع, فلذلك الإسلام يحرم الاحكار لأنه يفقد للتراضي فالمشتري مجبر على قبول السلعة بالسعر المحدد.
فالإسلام شدد على ضرورة الصدق عموما وفي المعاملات المادية خصوصا, لتجنع الغش والخداع التي بها يبطل البيع, فالصدق يبعث الاطمئنان وتحسن المعاملة, فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة)(15), ويقول صلى الله عليه وسلم مرغبا في الصدق في التجارة (التاجر الصدوق الأمين مع الشهداء يوم القيامة)(16), فوجب على البائع أن يبين ما ببضاعته من عيوب ليعلم بيها الشاري فيتجنب الغش والخداع.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا) (17), فواجب على التاجر المسلم أن يحرص على صحة ميزانه والصدق فيه فلا يغش ولا يسرق, يقول الله تعالى (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ )(18).
للغش صور كثيرة ومتنوعة, حرمها الإسلام وشدد في تحريمها, ومن هذه الصور:
- إظهار السليم الصحيح من البضائع وإخفاء ما به عيوب
- الغش في الميزان والمقاييس ونحوها
- عدم إتقان العمل صورة من صور الغش والخداع
- تزوير العقود والعملات
فيغري المشتري ويخدع بالظاهر منه ويظن أن البضاعة كلها بنفس الحال, عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا. فقال( ما هذا يا صاحب الطَّعام؟ قال: أصابته السَّماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطَّعام كي يراه النَّاس؟ من غشَّ فليس منِّي)(19) فكان أمر النبي عليه الصلاة والسلام واضح لتجنب الغش في البيع والشراء.
وهذا من أكثر صور الغش انتشارا, قال الله سبحانه وتعالى ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )(20), وقال الله سبحانه وتعالى (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ)(21) , فالأمر الرباني واضح ومشدد, فعلى المسلم تحري الدقة في الميزان والوزن بكل أمانة وصدق.
فالإسلام جاء بشريعة تهتم بإتقان العمل والبعد عن الغش, فالعمل في الإسلام عبادة, وإتقانه إحسان في العبادة, قال رسول الله صلى عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)(22), وقال صلى الله عليه وسلم (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)(23), فعلى المسلم الإحسان في عمله وإتقانه.
وهي صورة من صور الغش انتشرت في السنوات الأخيرة, فتزوير العملات أو سرقة الحسابات البنكية وسرقة ما بها من أموال, أو تزوير عقود ملكية للأراضي والسيارات, كلها صور للغش ظهرت في مجتمنا المسلم, وجاء الإسلام وحرم كل هذه الصور, فعلى المسلم أن يتجنب كل صور الغش.
مصادر الإقتباسات
(1)المعجم الوسيط (1/456) , (2)البقرة 275 , (3)المزمل 20 , (4)مقدمة ابن خلدون (1/281) , (5)حديث حسن رواه ابن ماجة , (6)صحيح مسلم 1605 , (7)صحيح مسلم 1605 , (8)سورة النساء 29 , (9)صحيح ابن ماجه 1792 , (10)أخرجه أحمد وغيره , (11)سورة النور 37 , (12)سورة البقرة 188 , (13)صحيح مسلم 1042 , (14)سورة النساء 29 , (15)رواه الترمزي , (16)رواه الترمزي 1209 , (17)صحيح مسلم 146 , (18)سورة الشعراء 181 : 182 , (19)صحيح مسلم 102 , (20)سورة المطففين2 : 3 , (21)سورة الشعراء 181 , (22)صححه الألباني , (23)صحيح النسائي 4426